دعوة للتطوير والإستفادة من الكفاءات
يُعد الإعلام مرآة الأمم ولسان حال الشعوب، وهو أحد أبرز أدوات التأثير في الرأي العام وصناعة الوعي الجمعي. وفي ظل المتغيرات الكبرى التي شهدتها سوريا خلال الشهور الماضية، برزت الحاجة الماسّة إلى إعلام وطني حديث، قادر على التعبير عن تطلعات الشعب، وعرض الإنجازات، وكشف مكامن القصور، ومخاطبة الداخل والخارج بخطاب مهني، عاقل، وعصري.
إعلام لا يواكب المرحلة
المتابع للقنوات الفضائية السورية بعد الثورة يصطدم بواقع إعلامي لا يُرضي الطموح، ولا يُواكب متطلبات المرحلة الحساسة التي تمر بها البلاد. فمع كل التقدير للجهود المبذولة، إلا أن المستوى الإخباري، والمحتوى الإعلامي ككل، يعاني من الركاكة في الصياغة، وضعف المضمون، وتكرار النمطية في التقديم، مما يخلق فجوة واضحة بين الإعلام الرسمي، وإهتمامات وإحتياجات الجمهور السوري في الداخل والخارج.
إن الشعوب لا تنهض فقط بالإقتصاد والسياسة، بل أيضاً بقوة خطابها الإعلامي، الذي يجب أن يكون صادقاً، شفافاً، متوازناً، وقادراً على بناء جسور الثقة بين الدولة والمواطن.
الحاجة إلى إعلام مزدوج الرسالة
نحن بحاجة إلى إعلام ينهض بمهمتين أساسيتين:
إعلام يخاطب الداخل: يسلط الضوء على القضايا التي تهم المواطن السوري، يعرض الإنجازات الحكومية والتحديات التي تواجهها الدولة، يكشف الفساد والسلبيات، ويمنح الصوت لكل شرائح المجتمع. إعلام يحمل هموم الناس وينقلها بجرأة وأمانة دون تهويل أو تلميع مبالغ فيه.
وإعلام يخاطب الخارج: بلغات متعددة، يُظهر حقيقة ما يجري في سوريا، يُبرز موقعها الجيوسياسي، ودورها المحوري في إستقرار المنطقة، ويعيد تقديم صورة الوطن إلى العالم بعد تشويه طويل مارسته قنوات معادية. إعلام قادر على الحوار، ومؤهل للدبلوماسية الناعمة، وعلى تواصل مباشر مع الرأي العام العالمي.
الاستفادة من الكفاءات السورية في الخارج
من غير المعقول أن نرى عشرات الإعلاميين السوريين يبدعون في القنوات العربية والعالمية، من تقديم وإعداد وإخراج، بينما تغيب أسماؤهم عن قنوات بلدهم. هؤلاء الكفاءات هم أبناء الوطن، ويملكون خبرات ثمينة اكتسبوها من مؤسسات إعلامية مرموقة، ويمكنهم أن يسهموا في نقل الإعلام السوري إلى مصاف متقدمة، إذا ما تم الإستفادة منهم بشكل مدروس ومنظم.
لذلك، من الضروري أن تقوم الجهات الإعلامية العليا بإطلاق خطة استراتيجية لإعادة هيكلة وتطوير الإعلام الوطني، تشمل:
تحديث البنية التحتية التقنية للمؤسسات الإعلامية.
تدريب الكوادر الحالية وفق مناهج حديثة ومهنية.
إعادة النظر في الخطاب الإعلامي ليكون أكثر ملامسة للواقع وأكثر مهنية.
إستقطاب الكفاءات السورية من الخارج عبر برامج تشجيعية وتسهيلات عملية.
الإنفتاح على الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، وتطوير محتوى عصري جذاب للشباب.
الإعلام جزء من معركة البناء
نحن اليوم في معركة لا تقل أهمية عن أي معركة عسكرية أو إقتصادية: إنها معركة الوعي. فلا نهوض حقيقي دون إعلام يواكب التطورات، يطرح الأسئلة الجريئة، ويبحث عن الإجابات الصادقة. الإعلام السوري قادر على أن يكون فاعلاً ومؤثراً إذا ما أُعطي ما يستحق من إهتمام ودعم وتمكين.
ندعو الجهات العليا، المعنية بالشأن الإعلامي، أن تأخذ هذه الدعوة على محمل الجد، وأن تدرك أن مستقبل سوريا المأمول يحتاج إلى كل أبنائها، وفي مقدمتهم الإعلاميون، الذين يستطيعون أن يعكسوا صورة وطنهم كما هي: صامداً، متجدداً، ومقبلاً على مرحلة بناء جديدة تستحق الأفضل.